توسيع مطار رفيق الحريري.. الاعتراض طائفي وسياسي!
ليس خفيا على اي من المتابعين الجديين لواقع مطار رفيق الحريري الدولي، حاجته وحاجة لبنان لعملية توسعة جدية ترتقي به مجددا الى مصاف الدول المجاورة التي طورت بنيتها ومطاراتها بشكل كبير في السنوات الماضية في ظل تراجع الواقع الاقتصادي والانمائي في لبنان. ولعل مطار رفيق الحريري في بيروت، كان المطار الرائد في المنطقة، اذ بلغت قدرته الاستيعابية عام ١٩٩٨ ستة ملايين مسافر، وهو رقم هائل في حينها.
لكن عام ٢٠١٤، شهد بداية مسار ارتفاع عدد المسافرين من مطار رفيق الحريري بما يفوق قدرته الاستيعابية، حتى وصل الامر عام ٢٠١٨ الى ٨.٨ مليون مسافر وهو رقم ظهرت نتائجه من خلال مشاهد الازدحام الهائل في مباني المطار، كما انه من المتوقع ان يصل عدد المسافرين في العام الحالي الى اكثر من ٧ مليون مسافر، لذلك كان القرار بالذهاب نحو توسعة المطار لمواكبة كل هذه التغييرات.
وقد سعت وزارة الاشغال الى تجنيب الخزينة اللبنانية اي تكاليف بسبب الازمة الحالية التي تجعل من الدولة اللبنانية عاجزة بشكل كامل عن تمويل مشروع بناء مبنى جديد في المطار، والذي سيتسع الى ٢ مليون مسافر ويمكن توسعته لاحقا ليتسع الى ٤ مليون مسافر. وبما ان مجلس الوزراء كان قد أقّر عام ٢٠١٨، بالموافقة على المخطط التوجيهي العام لتطوير وتوسعة مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري الدولي – بيروت وذلك بهدف معالجة الاختناقات الناتجة عن شدة الازدحام في مبنى المسافرين الحالي، قررت وزارة الاشغال اللجوء إلى استقطاب التمويل والاستثمار والتشغيل من الخارج وفق قانون رسوم المطارات ودون أن تتحمل الخزينة العامة أي أعباء سواء تمويل أو قروض.
ان فوائد هذا المشروع واضحة بشكل كامل، ولا ضرورة لشرحها، لكنها اضافة الى تخفيف الازدحام داخل المطار واعادة مطار رفيق الحريري الى مصاف الدول المتطورة في المنطقة، يؤمن المشروع ٥٠٠ فرصة عامل دائمة و٢٠٠٠ فرصة عمل غير مباشرة، وهذا يعيل بالحد الادنى عشرة الاف لبناني هم بأمس الحاجة فرص العمل.
لكن الهجوم الذي تعرض له المشروع كان كبيرا ويوحي بأن ما يحصل هو استنزاف كامل للمالية العامة وتجاوز جدي للقانون، علما، ومن دون الدخول في نقاش قانوني جاف، ان الخطوة قانونية بالكامل، اذ نكتفي بسرد ما صدر عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل وبموجب الرأي عدد 231/ ر/95 تاريخ 06/07/1995، حيث اكدت “إن صلاحية الترخيص بإشغال وإنشاء وإدارة واستثمار المنشآت النفطية وسواها من المنشآت ضمن مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت والأملاك العامة التابعة له والملحقة به، تحقيقاً لمرفق المطارالتي تتولاه الدولة، تعود لوزارة الأشغال العامة والنقل – المديرية العامة للطيران المدني تمارسها وفقاً لأحكام القوانين الخاصة بها (قانون إنشاء وزارة النقل – قانون رسوم المطارات)”.
ولعل طرح السؤال الفخ، الذي يهدف الى تشويش الرأي العام، حول امكانية اجراء عقد “بي او تي” من دون مزايدة؟ هو لزوم ما لا يلزم لان العقد هو في الاصل عقد انشاءات ومباني وليس عقد “بي او تي”، وهذا امر متاح قانونيا بشكل كامل حسب المرسوم الاشتراعي رقم 36 تاريخ 15/6/1983 وتعديلاته في الجدول رقم (9) الملحق بكل من موازنات السنوات 1991، 1993، 1999، 2019، والمعدل بالقانون رقم 300 تاريخ 11/8/2022 والقانون النافذ حكماً رقم (10) الصادر بتاريخ 15/11/2022 (قانون الموازنة العامة للعام 2022)….
كذلك من المتاح وفق المادة ٢٥ انشاء مباني للركاب بشكل صريح وهذا لا يتنافى مع القانون، ولا ضرورة هنا لتفصيل المادة القانونية التي تثبت هذا الامر نظرا لكون المواد صريحة ولا تقبل الشك او التأويل.
حتى ان اشكالية كون الحكومة هي حكومة تصريف اعمال، هي اشكالية ساقطة اذ إن توقيع عقود الإيجار في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت هو امر عادي وروتيني تقوم به المديرية العامة للطيران المدني بشكل يومي ولانه لا يوجد مدير عام أصيل حالياً، يقوم وزير الأشغال العامة والنقل بهذه المهمة….
من هنا يمكن التأكيد ان كل الهجوم الاعلامي هو هجوم له خلفيات طائفية وسياسي وشخصية، اولا يقود التيار الوطني الحر المعركة ضد توسيع المطار خصوصا ان لديه مشكلة” عقائدية” مع مطار يسمى مطار رفيق الحريري وقد خاض رئيسه ميشال عون سابقاً معارك ضد ادارة المطار وادارة طيران الشرق الاوسط. لذلك فإن رفض تطوير المطار له خلفيات سياسية لدى التيار العوني تترافق مع خلفيات طائفية – تقسيمية يتشارك فيها مع القوات اللبنانية وقوى اخرى.
تتشارك احزاب اليمين المسيحي فكرة السعي نحو الفدرالية والتقسيم وهم يعتبرون ان فشل مطار رفيق الحريري الدولي وتراجعه باب من ابواب الضغط من اجل فتح وتأسيس مطارات اخرى في لبنان وتحديدا في المناطق ذات الغالبية المسيحية كمقدمة لتامين الاكتفاء الذاتي الممهد للتقسيم، لذلك فإن مشروع توسعة المطار هو مشروع توحيدي وليس فقط تطويري، يقطع الطريق على اصحاب نظرات الفدرلة والتقسيم والانقلاب على اتفاق الطائف.
حتى ان طرح فكرة الشفافية المرتبطة بعدم نشر بنود العقد، هو مجرد دعاية سياسية، على اعتبار ان حق الوصول الى المعلومات في لبنان امر قانوني لا يمكن التحايل عليه، لذلك يمكن لأي جهة اعلامية وغير اعلامية الحصول على العقد بدل التبجح بحملة سياسية لها أهداف تقسيمية.