السعودية ولبنان: أخوّة سياسية ومسؤولية تاريخية

في خضم المشهد الإقليمي المتشابك، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعبٍ محوريّ يوازن بين مصالحه الاستراتيجية ومسؤولياته الأخلاقية تجاه دول المنطقة، ولا سيما لبنان. فالموقف السعودي من الساحة اللبنانية لم يكن يومًا نابعًا من لحظة سياسية عابرة، بل هو امتداد لرؤيةٍ تتعامل مع لبنان باعتباره “الأخ الصغير” الذي لا بدّ أن ينهض من أزماته، وأن يحظى بمظلّة دعم تحفظ استقراره وتعيد إليه عافيته.
السياسة السعودية إزاء لبنان اتسمت دومًا بالإيجابية، لكن في المرحلة الأخيرة، باتت هذه الإيجابية تأخذ طابعًا أكثر ديناميكية ووضوحًا. فالمملكة لم تنقطع يومًا عن الاهتمام بالوضع اللبناني، بل حافظت على تمسكها برؤية تعتبر أن استقرار لبنان يشكل عنصرًا أساسيًا في استقرار المشرق العربي برمّته.
الدلالة الأبرز على عمق هذا التوجه ظهرت خلال اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث ورد اسم لبنان أكثر من مرة على لسان الأمير، في سياق يعكس حرصًا صادقًا على إيصال صورة دقيقة عن واقع هذا البلد وتحدياته، مع التشديد على أهمية تحصينه من الانهيار. لم يكن هذا التكرار تفصيلاً عابرًا، بل رسالة سياسية واضحة بأن السعودية لا تتعامل مع لبنان من موقع المصلحة الظرفية، بل من موقع الأخوّة والرعاية.
اليوم، ومع عودة النقاشات الإقليمية والدولية حول إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، تشير المعطيات إلى أن المملكة تستعد لخطوات عملية تجاه لبنان، تبدأ من الدعم السياسي وتنتهي ببرامج إنمائية وإعادة بناء الثقة مع المؤسسات اللبنانية. كل ذلك يترافق مع موقف واضح يدعو إلى احترام سيادة لبنان، وتحقيق إصلاحات حقيقية تُعيد للدولة حضورها ومكانتها.
في ضوء هذه المعادلة، تصبح السعودية شريكًا لا يمكن تجاوزه في أي حل مستقبلي للبنان، ليس فقط لأنها تملك القدرة، بل لأنها أثبتت دومًا أنها تملك الإرادة، وتتحرك بمنطق “من أحبّ، نصح، وساعد”.